الخميس، 20 فبراير 2014

على الإنسان أن يراجع نفسه إذا جاءت الأمور على غير ما يريد

بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ومنزل ترح لا منزل فرح :
 أيها الأخوة المؤمنون: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى سئل مرة: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: لن تُمكّن قبل أن تبتلى.
 فهذه الحياة الدنيا مظنة ابتلاء، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
[ سورة المؤمنون]
 الأمور لا تجري في الدنيا على ما تشتهي، لأن الله سبحانه وتعالى جعلك في الدنيا كي يمتحنك.
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ ﴾
[ سورة الملك]
 إذاً أنت ممتحن، ممتحن في صحتك، ممتحن في زواجك، ممتحن في أولادك، ممتحن في جيرانك، ممتحن في كسب مالك، وما من مسلم على وجه الأرض إلا وعنده مواد امتحانية، فما وهبك الله إياه هو مواد امتحانك، وما زواه عنك هو مواد امتحانك، فقد تمتحن بالقوة إذا كنت قوياً، وقد تمتحن بالمرض إذا كنت مريضاً، فعلينا أن نوطن أنفسنا أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
الأمور لا تجري في الدنيا كما يشتهي الإنسان لأن الدنيا دار امتحان :
 قد ينجح الإنسان في امتحان الرخاء ولا ينجح في امتحان الشدة، والإنسان حينما تزوي عنه الدنيا، وحينما يضعف، وحينما يبتلى، قد ينقله هذا الابتلاء إلى حدّ الهوان، وحينما يقوى ويغنى قد تنقله القوة والغنى إلى حدّ الطغيان، الإنسان حينما يرى أنه مستغنٍ عن الله بوهمه طبعاً فيطغى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
[ سورة العلق]
 أن رأى نفسه مستغنياً عن الله، مرة إنسان قال: الدراهم مراهم تحل بها كل قضية، فدخل المنفردة ثلاثة و ستين يوماً، وفي المنفردة لا يمكن أن تحل هذه المشكلة بالمال، إذاً حينما تؤمن أن هذه الدنيا دار ابتلاء تعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يمتحنك، والله عز وجل حينما يقول:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ﴾
[سورة الفجر الآية: 15]
 يقول هذا الإنسان وقد يكون مخطئاً:
﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
[سورة الفجر]
 يتوهم الإنسان أن الغنى إكرام، وأن القوة إكرام، وأن الوسامة إكرام، وأن الذكاء إكرام، وقد يتوهم أيضاً أن الفقر والضعف والمرض ابتلاء وإهانة، فجاء الجواب الإلهي رادعاً: " كَلَّا " كلا أداة ردع وليست أداة نفي فقط، " كَلَّا " أي يا عبادي ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً؛ عطائي ابتلاء وحرماني دواء.
على الإنسان أن يراجع نفسه إذا جاءت الأمور على غير ما يريد :
 لذلك الآن موقف المؤمن من مصائب الدنيا يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْء ))
[رواه ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه]
 أي ليراجع نفسه، يسأل أين الخلل؟ أين الذنب؟ أين الخطأ؟ أين التقصير؟ أين المخالفة؟
(( لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ))
[رواه ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه]
(( ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يغفر الله أكثر ))
[ رواه ابن عساكر في تاريخه عن البراء رضي الله عنه ]
 أنت لا تتهم الآخرين إن ابتلاهم الله بشيء بالتقصير فهذا سوء أدب مع الله، لكن بالغ باتهام نفسك إذا جاءت الأمور على غير ما تريد، بالغ، الله غني عن تعذيبنا.
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
(( ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يغفر الله أكثر ))
[ رواه ابن عساكر في تاريخه عن البراء رضي الله عنه ]
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[سورة الشورى ]
من يقع في مصيبة عليه أن يسأل الله أن يهديه إلى سببها :
(( لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْء ))
[رواه ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه]
 ليرجع إلى الله، ماذا فعلت؟ لماذا حلّ بي ما حلّ بي؟ وحينما تسأل الله أن يهديك إلى سبب هذه المصيبة فالله يهديك، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾
[ سورة التغابن الآية: 11]
 جاءت هذه الآية عقب آية المصيبة، من يؤمن بالله أن الله هو الفعال وحده، كيف سمح لزيد أن يصل إليه؟ أو أن يسيطر عليه؟ أو أن يناله بأذى؟ سمح الله له، لماذا سمح الله له؟ لعلة عندي، هذا هو التفكير المنطقي "لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ"، الشسع رباط الحذاء، أي الشريط، من انقطع رباط حذائه فهناك مشكلة، وكان عليه الصلاة والسلام إذا راعه شيء- بالمناسبة النبي بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، ولولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، هو بشر وتجري عليه كل خصائص البشر، وانتصر على بشريته فرفعه الله عز وجل- هو يخاف كما نخاف، ويرجو كما نرجو، ويهتم كما نهتم، ويدعو كما ندعو، كان عليه الصلاة والسلام إذا راعه شيء قال:
((هُوَ اللَّهُ، اللَّهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ ))
[ رواه النسائي عن ثوبان ]
 أي هذه المصيبة جاءتني من ربي، وليس من جهة أخرى لأنه لا شريك له، هذه المصيبة جاءتني من ربي، وكلمة رب يعني المربي، كلمة رب تذكر بالأم، قد تمنع الطعام عن ابنها، الأم الرحيمة العالمة قد تحرم ابنها أطيب الطعام إذا كان يؤدي به إلى مرض وبيل.
((إنَّ اللَّهَ لَيَحْمِيَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ))
[الحاكم عن أبي سعيد الخدري]
 وفي رواية ثانية:
((إن الله عز و جل يحمي عبده المؤمن كما يحمي الراعي الشقيق غنمه من مراتع الهلكة ))
[ شعب الإيمان عن حذيفة ]
من جاء أمره على خلاف ما يشتهي فليتهم نفسه :
 إذاً حينما قال الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
 الأمر بيد الله، هو الذي يعطي، هو الذي يأخذ، هو الذي يرفع، هو الذي يخفض، هو الذي يعز، هو الذي يذل، ما بعد هذه الآية؟
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾
[ سورة محمد الآية: 19 ]
 إن جاءت الأمور على غير ما تريد استغفر لذنبك، الأمر بيد الله والله عز وجل عادل.
 ملخص هذا الكلام كله إن جاء الأمر على خلاف ما تشتهي اتهم نفسك:
((يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً؛ يا عِبادِي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً ؛ يا عِبادي ! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
من ازداد عقله ازداد خوفه من الله عز وجل :
 والنبي عليه الصلاة والسلام يخاف:
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود]
 وكلما ازداد عقلك ازداد خوفك، وكلما ضعف عقلك وضعف إيمانك قلّ خوفك.
(( أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق